متى سنتعلم من تجاربنا؟ في 2009 كبّد الرئيس الأفغاني حميد كرزاي، الذي سيلتقى أوباما في واشنطن هذا الأسبوع، دافعي الضرائب الأميركيين ما لا يقل عن 200 مليون دولار، وهو المبلغ الذي دفعته الولايات المتحدة في هذا العام، لدعم الانتخابات الأفغانية الذي يعترف كرزاي نفسه بأنها قد شهدت تزويراً واسع النطاق. وفي الوقت الراهن، هناك اقتراح بقيام الولايات المتحدة والمنظمة الدولية بدعم الانتخابات البرلمانية الأفغانية التي ستجري في شهر سبتمبر المقبل، على الرغم من القواعد الانتخابية الجديدة التي فرضها الرئيس الأفغاني على المعارضة، والتي تجعل من احتمال وقوع التزوير هذه المرة أقوى من المرة السابقة. ومن المعروف أن اللجنة المستقلة للانتخابات في أفغانستان، وهي معينة من قبل كرزاي، وتخضع تماماً له، تورطت بشدة في عمليات تزوير واسعة النطاق شابت انتخابات 2009، وأن الدور الذي لعبته في ذلك من خلال التزوير في إحصاء الأصوات، أو التعاون مع الجهات القائمة بالتزوير، أو الإعلان عن فوز كرزاي في مراكز انتخابية وهمية، قد ساهم في منح الرئيس الأفغاني ما لا يقل عن مليون صوت غير مستحق من إجمالي الثلاثة ملايين صوت التي حصل عليها. من حسن الحظ أن أفغانستان كان لديها بالفعل هيئة مستقلة فعلية، وهي لجنة الشكاوى الانتخابية التي كانت مفوضة بالتحقيق في عمليات التزوير. وبعد أن اكتشفت تلك المفوضية عمليات تزوير عديدة، قررت حذف عدد كبير من الأصوات الزائفة الممنوحة لكرزاي، مما استلزم إجراء انتخابات إعادة بين الرئيس والمرشح الحاصل على أعلى مجموع أصوات بعده، وهو وزير الخارجية السابق "عبدالله عبدالله"، ولكن تلك الانتخابات لم تعقد أبدا لانسحاب "عبدالله" بعد أن تبنت المفوضية المستقلة للانتخابات قواعد وإجراءات جعلت من احتمال وقوع عمليات التزوير في الإعادة أقوى مما كانت عليه في الجولة الأولى. والفوز برئاسة أفغانستان، لم يهدئ من ثائرة كرزاي، الذي استبد به الغضب بسبب الإجراءات التي اتخذتها لجنة الشكاوى الانتخابية عقب إعلان نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وصمم على أن تكون له السيطرة المطلقة على العملية الانتخابية في بلاده، فأصدر مرسوماً في فبراير الماضي يمنح لنفسه بموجبه سلطة تعيين أعضاء اللجنة الانتخابية المستقلة الخمسة(لم يكن له الحق في تعيين أي عضو من أعضاء اللجنة السابقة)، كما عمل على حرمان المفوضية من حقها في إصدار الأوامر بإعادة الانتخابات. والمنظمة الدولية التي يفترض أنها ستساعد أفغانستان على عقد انتخابات نزيهة، والولايات المتحدة التي ستتحمل الجانب الأكبر من تكاليف تلك العملية، استجابتا للأسف على نحو بالغ اللين لاستيلاء كرزاي على كافة صلاحيات العملية الانتخابية. فكل الذي فعلته المنظمة الدولية، إزاء ذلك هو أن رئيس بعثتها في كابول" ستيفان دي ميستورا" تفاوض على تسوية مع كرزاي، يتم بموجبها تعيين اثنين من الخبراء الانتخابيين التابعين للمنظمة في لجنة الشكاوى الانتخابية الأفغانية دون أن يكون لهم حق الاعتراض على قراراتها. وبناء على هذه التسوية طالب" دي ميستورا" المانحين الغربيين بالبدء في تمويل الانتخابات البرلمانية الأفغانية القادمة، وهو ما يبدو أن إدارة أوباما الراغبة في تجاوز المرحلة الحالية من الاتهامات المتبادلة بينها وبين كرزاي، تميل إلى الموافقة عليه. والتسوية التي توصل إليها رئيس بعثة الأمم المتحدة في كابول، لا معنى لها لأن عدد الأعضاء المعينين من قبل كرزاي(ثلاثة أعضاء) سيفوق في أي عملية تصويت صوتي خبيري الأمم المتحدة، علاوة على أن تلك التسوية لم تتضمن بندا ينص على استعادة صلاحية المفوضية في إجراء عملية إعادة عد للأصوات المشكوك فيها بشكل مستقل ودون الرجوع لأحد. التطور الوحيد الإيجابي في الموضوع هو أن كرزاي قام، على نحو غير متوقع، بتعيين "فاضل أحمد ماناوي" كرئيس جديد للجنة المستقلة للانتخابات بدلاً من الرئيس السابق الذي كان متورطاً بشدة في عمليات التزوير التي شابت الانتخابات السابقة. "ماناوي" عالم إسلامي محترم، ينحدر من منطقة بانجشير، معقل المعارضة الأفغانية. ولقد تسنى لي مقابلته بصفتي نائبا لرئيس بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان عام 2009، وكان هو في ذلك الوقت عضوا في لجنة الانتخابات المستقلة، والصوت الوحيد تقريبا في اللجنة الذي عارض اعتماد نتائج انتخابات الجولة الأولى لصالح كرزاي. ولكن "ماناوي" يظل مع ذلك صوتاً وحيداً في لجنة تعج بأنصار كرزاي. هناك العديد من الأشياء الأخرى المعرضة لخطر الضياع غير ملايين الدولارات الأميركية. فاستراتيجيتنا في مواجهة التمرد "الطالباني"، تعتمد إلى حد كبير على وجود حكومة أفغانية نزيهة وكفؤة، ولديها القدرة على كسب ثقة وولاء السكان، وهو ما لم تتمكن إدارة كرزاي من تحقيقه خلال سنواتها الثماني في الحكم، بل إن ما حدث في الانتخابات السابقة من تزوير واسع النطاق وتلاعب في النتائج قد جعل الكثير من الأفغان يشكون أيضاً في شرعية نتائجها. وإذا لجأت الإدارة الأفغانية إلى تزوير الانتخابات البرلمانية في سبتمبر المقبل، فإن ذلك قد يؤدي لنشوب حرب أهلية على خطوط عرقية. يرجع السبب في ذلك إلى أن المعارضة هي التي تسيطر على البرلمان الأفغاني، وأنها قد أبدت اعتراضات شديدة على الإجراءات الانتخابية الجديدة التي اتخذها كرزاي. علاوة على ذلك فإن البرلمان هو المؤسسة الوطنية الوحيدة، التي تمثل فعلياً الأقليات الأفغانية غير البشتونية، كما أن رئيس مجلس النواب في البرلمان، ينتمي إلى عرقية الطاجيك وكان قد حل ثانيا بعد كرزاي في انتخابات 2004. وإدارة أوباما التي تمكنت بالكاد من ترقيع العلاقات مع كرزاي، بعد الهجمات اللفظية العنيفة التي شنها عليها الشهر الماضي، ليست لديها الرغبة حالياً في الدخول في مواجهة جديدة مع الرئيس الأفغاني حول الإجراءات الانتخابية، وهو موقف ينم في تقديري عن قصر نظر، ذلك لأن الإصرار على وجود قواعد نزيهة للانتخابات البرلمانية من الآن، سوف يكون أقل تكلفة ـ ماديا وبشريا ـ من إجراء انتخابات أخرى معيبة، تنتهي بأن تجد الولايات المتحدة نفسها غارقة في فوضى أكبر من تلك التي تجد نفسها في مواجهتها الآن، بل وربما حربا أهلية واسعة النطاق أيضا، وهو ما سيجعل "طالبان" الرابح الوحيد من تلك الانتخابات. بيتر جالبريث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ نائب المبعوث الخاص للأمم المتحدة لأفغانستان من يونيو إلى سبتمبر 2009. ينشر بترتيب خاص مع خدمة" إم.سي.تي إنترناشيونال"